ذات الصادات السبعة ..!!
منقووول
ما أن يفرغ شيخ (بابكر الصايم) من صلاته وتحليل صيامه بتمرات وبضع لقيمات من العصيدة التي تصنعها له أمي، حتى نتحلِق حوله في شوق شديد لحكاياته بينما يجلس هو على مصلاته مسندا ظهره للحائط يتلذذ برشف (الآبري) البارد ويتسلى بتمشيط لحيته الطويلة.
كان شيخ (بابكر) من أهل مودة والدي الذين نفرح بزيارتهم لما تحمله لليالينا من الأنس .. لم نعلم من أسمه سوى لقبه الذي عرف به .. كان من الدراويش العبّاد الزهّاد، لقّب بـ(الصايم) لصومه الدهر فلا يفطر إلا الثلاثة أيام الأولى من العيدين، كما أشتهر بلقب (السايح) لأنه قضى عمره متنقلا بين فجاج الأرض سائحا لا يمتلك من متاع الدنيا غير(مخلاية) من الخيش يضع فيها ركوة وقرعة لشربه وإناء لأكله و شيء من الزوادة التي يمده بها أهل الخير ممن يعرج ليستظل في فيّهم قبل أن يواصل الرحيل.
رغم كبر سنه واشتعال الشعر الكثيف الذي غطى جسده ولحيته بالشيب، والهزال الظاهر عليه من طول الصيام، إلا أنه كان ذا قوة وهيبة لا تخطئها العين .. كان يفطر على تمرات وبضعة لقيمات من بليلة أو عصيدة أيهما توفر، ثم يكتفي بكوب من اللبن في الليل ليواصل عليه صيامه في اليوم التالي.
يغيب عنا شهورا دون أن نسمع عنه خبرا ثم يظهر فجأة على باب بيتنا، كما لو كان قد حطّ من علِِ، ليقضي بين ظهرانينا بضعة أيام ثم يحمل (مخلاته) على ظهره ويختفي كما ظهر، ورغم إلحاحنا الدائم عليه بالبقاء فقد كان يعتذر بأن منادي الرحيل قد ناداه.
كان يحمل بين جنبيه الكثير من الحكايات التي تفوق في إمتاعها وإثارتها قصص ألف ليلة وليلة مع ذخيرة لا يستهان بها من المعرفة والحكمة .. بعد فطوره كنا نجلس حوله ويداعبه والداي برغبتهم في تزويجه وإجباره على الاستقرار في مكان واحد، فكان يضحك جزلا ثم يصف لأمي مداعبا مواصفات الزوجة الكاملة التي يتمناها قائلا:
بدورك تشوفي لي عروس صادية.
وعندما تسأله في حيرة:
الصادية دي كمان شنو يا شيخ بابكر؟!!
كان يستقيم من اتكاءته ويعدد على أصابعه صادات شريكة الحياة المثالية:
الصادية هي المرة أم صاداتا سبعة .. أول بالتبادي .. دايره تكون صفره وصهباء.
فنسأله:
الصفره دي هينه عرفناها .. الصهباء دي كمان شنو؟
فيقول في حكمة العارفين:
أم شعرا أشقر ومحومر .. عشان بيكون قلبا قوي وراسا ناشف.
قد لا نتفق معه على أن من المواصفات الجيدة للزوجة المثالية أن تكون ذات (راسا ناشف) ولكنا نجاريه ونسأل: أها وباقي الصادات يا شيخنا؟
فيواصل: لازما كمان تكون صوامة وصلاية .. صبورة وصافية.
فنسأل لتعم الفايدة: الصلاة والصيام والصبر عرفناهم .. أها صافية دي كيف؟
فيجيبنا في صبر على جهلنا:
صافية زي الموية الرايقة .. ماها منافقة ولاها غتيتة .. الجوة قلبا على لسانا.
فنسأل: ثم ماذا يا شيخنا؟
فيجيبنا:
الصادقة .. أهم حاجة يا أخوانا الصدق .. هو وكتين تبقى المرة كضابة تاني شن الفايدة فيها؟!!!
ثم يضيف:
ومع الصادات السبعة لازما تكون حارة وباردة .. حارة وكت الحوبة وهميمة للضيفان.. وباردة في طبِايعا.. إن ختيتا في الجرح يطيب.
تخريمة:
طبعا عرفتو كلكم السر في عدم زواج شيخ الصايم حتى بلغ من الكبر عتيا .. يتخيل لي مرة بالمواصفات دي إلا في المشمش!!